في واحد من طرف مشاهد فيلم "هتشكوك" الروائي الذي عرضه قبل سنوات مشكلة ويدور عن السنوات التي حققت فيها ألف ريد هتلر شكوك فيلمه شهور "بسايكو" وأدى فيه دوره أنطوني بيركنز، نسمع شكوك قلقة عند دخول المنشأة التي تقدم العرض الأول للفيلم. فهو لا يعرف بعد كيف ستكون ردة فعل الجمهور، علماً أن قلقه هذه المرة مزدوجاً؛ من ناحية التجربة، من تساؤله عما إذا كان النقد سيحطم الفيلم أم الصعود إلى الأعلى. ومن ناحية أخرى، فقد تساءل عن تساؤله إذا كان الجمهور سيحب الفيلم، وبالتالي سيتدافع عنه لمشاهدته. وتحت إشرافه أنتج فيلمه بنفسه بموجبه جنى العمر ورهن من أجله منزله.
في وسط ذلك تحلى تلك اللحظة اللحظة الرقمية عندما تدخل إلى الحمام ليقتل البطلة في ذلك المشهد، والذي لن ساه أحد بعد ذلك إلى الأبد. سكينة القاتلة تتوزع على أكثر من مئتي لقطة قصيرة كان الفندق الشكوكي تضع فيها كل مخيّلته ومهارته السينمائية. ظل يتساءل في الخارج لا يرؤ على الدخول. ولقد بعث في داخلنا مرعبًا ومدهشًا. مرت الثواني متعبة ومُخرِجنا قلق مرتعب. فجأة، جاء صوت الرعب من داخل إلى حيث اتصلت بالشكوك. وراح صراخ الجمهور لماذا ما الذي تفضله على الشاشة بتقطيع الثلاجة. فَهِم الفندق الشكوك أن رسالة فيلمه وصلت. وأدرك أنك لعبته على الجمهور. ومن فوره راح يتقافز حيث هو واقف، مختلفة بيديه إشارات قائد أوركسترا لا تتبع صيحات المتفرجين بل تستبقها.
راح يحدّد الأسئلة بأجزاء من الثانية وبموجات لبدايات الاستقبال المرتعبة لدى الجالسين في الداخل. وأدرك فيلمه قد يؤدي إلى. نؤمن بأن تلك اللحظة هي التي كانت هي التي شهدت نظراتها للخبراء القائلة: "أنا أدير الجمهور بأكثر مما أدير الممثلين".
بعد سنوات من تلك اللحظة سيشرح النظر في الاختيار، "إنها إدارة التشوهيق بتلقي الجمهور له. إدارة تعتمد تقنية هدفها استثارة العقل المتفرج. فلدى المتفرج وضعية خاصة في الاعتماد تحتم قيادته ذهنية، لكي يبدأ كيف يندمج بنفسه في مناخ الرعب الذي أرسمه. التشوهيق لا يمارس عملياً ذهنياً بلعملية حسية. هناك كثرٌ في مهنتنا يكتفون بتصوير بشكل مميز ولا شيء غير هذا. فمختلفة؛ هناك مثلا شخصية تحمل لفافةها متفجر. هو يجهل هذا، لكن الجمهور يعرف ذلك. من جهة أخرى يجب أن يكون المبدع الشخص الذي يعرف متى ستنفجر القنبلة. ثم حينئذ سوف تنفجر خلال الدقائق الخمس التالية لتفجيرها في تلك اللحظة ولكني في الهنيهات الأخيرة أفككها فلا تفجر وآنئذ يكون وقع المفاجأة الجديدة على الجمهور الأكبر".
الحقيقة أن هذا "المبدأ" هو الذي فسّره شكوكه بهذه الدرجة المتوسطة في مرحلة متأخرة من حياته، كان جمهوره يكتفي بحياته. أما هو ففعل ما يطربه بحياة الخوف التي خلقها الجمهور في اتجاه خمسين فيلمًا يحققها بين الحق الإنجليزي، وذلك بفضل ما يزيد على نصف قرن من الزمن، كان فيها سيدًا قليلًا من واضح الفن التصويري، حتى ولم ينل أي واحد من أفلامه جائزة الأوسكار التي سينالها على أي حال عن "مجمل حضوره وإبداعه" في عام 1978 قبل عامين من رحيله عام 1980.
بينما رحل عن عالمنا كان شكوك في الثمانين من عمره. وقد ولد في بداية القرن العشرين الذي سيعتبره واحدًا واحدًا من مظهر مبدعه، ويكاد يكون بالتزامن مع ولادة فن السينما الذي سيكون ميدانه وينشطه وإبداعه. (من إبراهيم العريس)