هو البحث العلمي الأول للحضارة البابلية في اللغة العربية، وهو يلقي الضوء بالمعلومات والشرح والتحليل خمسة عشر مكونة من مكونات هذه الحضارة، حيث تتجلى العناصر الفقيرة بنقصها الملموس في الاختلاف (الجغرافية، السياسية، الاقتصادية، حرية الاشتراك، العلمية)، وترمز لها العنصر الثقافي في البيان الشرعي، المدني، الأدبي - المبدع، النفسي، الثقافي، الفني)، لكنت كفتي ميزان الحضارة الذي تضبطه (الأخلاق) وعنصر اقتصاده في المساهمة، كل عنصر من هذه العناصر لاستثمارها فصل من فصول الكتاب في أدق تفاصيله. لا بد من فصل مثالي يعتني بالتعريف ببابل وشعوبها وأسمائها والعلم والدراسات المتخصصة التي بحثت فيها والعلماء الذين ساهموا بذلك، وكان لا بد من فصلي ختامي يعمل على إعادة صياغة ونقد هذه التحليلات عن ما تفردت به دون غيرها. الفصول السبعة العشرة للكتاب تعطي صورة عن الحضارة البابلية لم تعطها كتب أخرى، في هذا المجال، بمثل هذا التنوع والعمق، وتستطيع القول إنه كتاب جديد بكل ما تعنيه الكلمة، وهو كتاب متفرد في بحثه. الصورة المؤجلة التي قدمتها الأديان الإبراهيمية الثلاثة عن بابل خلاف الحقيقة التي كانت عليها بابل من جميع النواحي الحضارية. لا تزال فترة طويلة من الزمن البعيد في الماضي، تمتد لنحو 2000 قرون، وحتى قرن كامل القرن تقريبا، من الآن، وصورة بابل في التوراة هي المهيمنة على آذان الناس في الشرق والغرب، فقد كانت بابل بلاد السحر والتنجيم التي يسودها عالم ويتوج بها الشياطين والفاريت والموذين والسحرة. أفلت بابل لكن صورتها الزانية والفجرة التي رسمتها بالفعل لم تأفل، ولم تتغير، هذه الصورة، سوى العلماء الآثار الذين بدأوا منذ منتصف القرن التاسع عشر بجلاء حقيقة بابل وحضارتها. لم تلبس الصورة فقط، بل أن الغربين صعقوا يوم عرفوا أن الكتاب المقدس الذي كان يهجو بابل ويشتمها مغروسة حدوده ومادته العقيدة فيها على وجه التحديد، ثم تحتاج هذه المهزلة حين عرفوا أن كاتبي التوراة والتلمود كتبوا في بابل مستجين تراثها وناسبين هذا التراث لهم ولشعب تكن له ملامح إلا بعد أن يسكن في بابل وعاش من خيراتها الطبيعية والتعب والمعرفية، وكون دينه فيها.