اللابس المتلبس

من اوراق ابي الطيب المتنبي

اسم المؤلف : عبدالله الغذامي

يقول المتنبي
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني/ ولا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
بيت خطير يكشف حالة المتنبي نفسه بين حال الحكيم الشجاع، أو الشجاع غير الحكيم، أي حال المتنبي بين اللابس للحكمة أو المتنبي المتلبس بالنسق، وقد ظل المتنبي بحكمة وحكمته التنفيذ على الألسنة وعمر ذاكرة الذاكرة، وهو حكيم ولا شك بمثل ما هو شاعر عظيم كذلك، ولكن نسقياً تتحكم فيه قوى غير حكيمة وقد مات ميتة غير حكيمة وإن كانت شجاعة، وذلك بحكم أن أنتهت مواجهته للموت فلم. تقوته القوية، ومع ذلك يستعرض حال هذا البيت وحال مصير المتنبي صاحب المقولة.
على أن القوى قد تكون فضيلةً وقد تكون رذيلةً، مستقلة مقولة سقراط بكون فضيلة وسطاً بين رذيلتين، فإن القوة لكي تكون فضيلةً لا سيئة أن تقع في موقع الوسط بين الجبن أو الهور، والشجاعة قد تقع في نوع من الجبن أو نوع من التهور، وفي حال الجبن أو حال التهور ستكون حماةً وهي ما يقصد المتنبي الطَّبعِ اللَّيمِ)! فالجبن المتلبس بصفة التعقل هو من خديعة الطبع اللئيم، وهذا هو وجه المقلوب للشجاعة، وكذلك سيكون التهور الذي هو حماقةٌ توصية، وينتج عنهيات تمنع حمقاء في فعلها وفي ردود الفعل عليها، ولوغيرت يرفض في علة التهور فهي تعادل الحماقة الواضحة تتحكم بصاحبها إلا قوةً متسلطة. أما الرأي والحكمة فستصبح قوةً ناعمةً ومنها القول المعنوية والعقلية والشجاعة والتدبير، وهنا تكون فضيلةً، ولهذا قارن المتنبي بين موت رخيص وموت ثمين (فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ/ كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ). فالموت رخيص أو ثمين في المشاركة ولكن طعمه سيظل واحداً في الحالين. وقد كان أعلى المتنبي من ما يتعلق بالرأي هو (الرأي قبل شجاعة الشجعان / هو أول وهو المحل الثاني).
ومثل مقام الرأي يأتي مقام الحكمة الثانيان معاً مقدمان على الجسم ومشروطان لها لكي تكون جميلة فضيلةً وترفع عن صفتي الحماقة والرذيلة، وقد اشترت المتنبي الحكمة للشجاعة ولم يشترط أن تكون للحكمة مما يعني أن الحكمةٌ بذاتها ومشروطها بغيرها، في حين أنها مشروطةٌ بالرأي والحكمة أو تنتقل مشروطة بالرأي الحكيم، والرأي الحكيم قانونٌ فكري بموجب قانونٌ واقتصادي واجتماعي، وقانونٌ في نظام العلاقات العامة. شاملة بمعونة الرأي الحكيم القيمةً صانعةً للترقي من حال ردود الفعل إلى أحوال المادة، وتجاور القول مع الفعل البشري تحت مفهوم الرأي الحكيم، وهذه وصفةٌ من صيدلية المتنبي التي تحتوي على صيدلية على الذكاء حيناً وعلى الحكمة حيناً آخر. ومن خصائص المتنبي أنه كلمات كان بعد ذلك تدريجيًا إلى نسقي، تشكيل شعر تحرر من ذاتيته يصبح فيلسوفًا، وظل هكذا في كل صنفاته ولو أخلص مع حالته الحكيمة ليحتمل أن يصبح الفيلسوف الشاعر، ولكننة تطغى عليه وجعله يتقلب بين الحكمة والنهاية، وإن أبدع في الحالين، لكن الذي حدث أنه راحً ضحية للسقطات الميتة الميتة ولم يظفر بالميتة التي تم نحناها ولصديقه الأثير سي الدولة، استمر في إنجازها على يد لص تربص به واستعان عليه. أجبره على الانصياع واستخدامها واستخدامها، وعندما هم المتنبي بالفرار من معركة صغيرة لا تليق به عاد للمعركة لأن اللص فاتك الأسدي استفزّ حسه النسقي إذ عيره ببيتيه الحصري (الخيل والليل والبيداء تعرفني.. إلخ) مما يرتد لميدان المبارزة ويتلقى طعناً أنهت منذ زمن، ولم تبع ثر بيته عن الضغط في الحكيم إذ فقد حكمته وتفردت به شجاعة من دونة حكم تحصنها، فمات بغلطته الخطيرة. هذا هو المتنبي لابس الحكمة والملبس بالنسق.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض